موقع المختار الإسلامي - الرد على استنكار الملاحدة لإنجاب السيدة خديجة - رضي الله عنها - ستة أولاد بعد سن الأربعين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .
ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل صحيح وادعاءات بلا مستند راجح ، ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى ومغالطة تلو المغالطة و دعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .
و من المغالطات التي يدعيها الملاحدة استنكارهم إنجاب السيدة خديجة رضي الله عنها ستة أولاد من النبي صلي الله عليه وسلم بعد سن الأربعين من عمرها و يتسائلون عن سن السيدة خديجة رضي الله عنها عندما ولدت السيدة فاطمة رضي الله عنها ،و نظرا لأن استنكار الملاحدة أدخل الريبة عند بعض المسلمين الذي اطلعوا صدفة على استنكار الملاحدة قمنا بالرد علي الملاحدة لبيان تفاهة استنكارهم و قبل الرد على استنكارهم لإنجاب السيدة خديجة رضي الله عنها ستة أولاد من النبي صلي الله عليه وسلم بعد سن الأربعين من عمرها يستحسن بنا معرفة الراجح في سن السيدة خديجة رضي الله عنها عندما تزوجت من النبي صلي الله عليه وسلم .
والمشهور في كتب السيرة أن عمر السيدة خديجة رضي الله عنها عندما تزوجها النبي صلي الله عليه وسلم كان أربعين سنة ، وأنها لما توفيت كانت بنت خمس وستين ،و لم يثبت حديث صحيح في تحديد عمرها وقت زواج النبي صلي الله عليه وسلم لها ،والثابت أنها كانت أكبر منه سنا بسنوات كثيرة لقول السيدة عائشة رضي الله عنها عنها أنها عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين وكان ذلك بمحضر النبي صلي الله عليه وسلم ولم ينكر .
و الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: « اللهم هالة ». قالت: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها .
والشاهد من الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها وصفت السيدة خديجة رضي الله عنها أنها عجوز ولم تقل أنها امرأة كبيرة السن ،ووصفتها بأنها حمراء الشدقين ،و كان ذلك بمحضر النبي صلي الله عليه وسلم ، ولم ينكر ، والعَجُوز والعَجُوزة مِنَ النِّسَاءِ : الشَّيْخَة الهَرِمة ،و الشدق جانب الفم ،و المقصود بحمراء الشدقين أنها كانت عجوز كبيرة في السن إلى درجة أنها قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق في فمها بياض من الأسنان وإنما حمرة اللثاث.
و المرأة تحت سن الستين لا توصف عادة أنها عجوز من العجائز بل توصف بأنها كبيرة السن و لذلك من المستبعد أن يكون سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين الوفاة كان خمسين أو فوق الخمسين بقليل بل فوق الستين ، ولو عدنا بالزمن إلى الوراء و أخذنا في الاعتبار أن مدة زواجها من النبي صلي الله عليه وسلم إلى أن توفيت خمس وعشرين سنة تعين أنها وقت زواجها من النبي صلي الله عليه وسلم كان سنها أكبر من الخمس و ثلاثين سنة .
و كون السيدة خديجة رضي الله عنها وصفت بأنها حمراء الشدقين و احمرار الشدق يكون عادة عندما تجاوز المرأة الخمس و خمسين سنة إلا أن يكون هناك مرض يتسبب في سقوط الأسنان قبل هذا السن كالداء السكري ،وعليه فالراجح أن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت أكبر سنا من النبي صلي الله عليه وسلم حين تزوجها و كانت فوق الخمس و ثلاثين من عمرها ، هذا ما تبين لي والله اعلم .
و إذا كان سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين زواجها من النبي صلي الله عليه وسلم فوق الخمس و ثلاثين سنة ، وحمل المرأة تسعة أشهر فلو كان بين كل حمل و آخر ستة أشهر و عدد الأولاد ستة لاحتاجنا سبع سنوات و نصف لإنجاب ستة أولاد يعني ستنجب كل الأولاد و هي أقل 48 سنة و جائز للمرأة - عرفا و طبا- أن تلد و هي بنت 48 سنة ، ولو كان سنها حين الزواج 36 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 36 + 7.5 = 43.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 37 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 37 + 7.5 = 44.5 سنة ،و لو كان سنها حين الزواج 38 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 38 + 7.5 = 45.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 39 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 39 + 7.5 = 46.5 سنة ،ولو كان سنها حين الزواج 40 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 40 + 7.5 = 47.5 سنة .
ولو كان بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا و عدد الأولاد ستة لاحتاجنا عشر سنوات و نصف لإنجاب ستة أولاد يعني ستنجب كل الأولاد و هي أقل من 51 سنة و سن 51 جائز للمرأة - عرفا و طبا - أن تلد فيه ،و لو كان سنها حين الزواج 36 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 36 + 10.5 = 46.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 37 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 37 + 10.5 = 47.5 سنة ،و لو كان سنها حين الزواج 38 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 38 + 10.5 = 48.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 39 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 39 + 10.5 = 49.5 سنة ،ولو كان سنها حين الزواج 40 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 40 + 10.5 = 50.5 سنة .
ولو كان بين كل حمل و آخر سنة ونصف أي ثمانية عشر شهرا و عدد الأولاد ستة لاحتاجنا ثلاث عشرة سنة و نصف لإنجاب ستة أولاد يعني ستنجب كل الأولاد و هي أقل من 54 سنة و سن 54 سنة جائز للمرأة أن تلد فيه و إن كان قليلا جدا .
مع الأخذ في الاعتبار أن الفترة بين الحمل و الآخر قد تقل عن ستة أشهر و قد تزيد عن سنة ونصف فقد تكون الفترة بين الحمل و الآخر خمس أشهر و قد تكون الفترة بين الحمل و الآخر سنتين و قد تكون الفترة غير ذلك ،وقد تكون في مرة سنة و مرة أخرى سنة ونصف لكن ما ذكرناه أمور تقريبية لبيان جواز وقوع الأمر ،ومادام الأمر جائز الوقوع فالاستنكار في غير محله .
والسن الذي تكون فيه الأنثى قادرة على الإنجاب هو السن الذي يمكن أن تحيض فيه و السن الذي يمكن أن تحيض من سن البلوغ puberty إلى سن الإياس Menopause ، و سن الإياس هو السن الذي إذا وصلت إليه المرأة انقطع حيضها ، ولا أمل في عودته إليها و متوسط سن الإياس في الكثير من المراجع الطبية يتراوح من 45 إلى 55 سنة ،و بالتالي يمكن للمرأة أن تنجب بعد الأربعين ،وهي لم تبلغ سن الإياس و بعد الخمس و أربعين ،وهي لم تبلغ سن الإياس بل وبعد الخمسين ،وهي لم تبلغ سن الإياس - لكن فرصة الإنجاب بعد الخمسين قليلة - فما المانع أن تنجب السيدة خديجة رضي الله عنها بعد الأربعين من عمرها ،وهي لم تبلغ سن الإياس بعد ؟ و ماذا لو كان سنها حين الزواج أقل من الأربعين ؟.
وعلى التسليم أن سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين الزواج أربعين سنة نسأل الملاحدة أيها الملاحدة إذا كان إنجاب المرأة ستة أولاد بعد سن الأربعين أمرا غير طبيعي و مظنة للشكوك وسوء الظن فكيف لم يتخذ أعداء الإسلام من مشركين و يهود و نصارى هذا الأمر فرصة لهم لاثارة الشكوك حول النبي صلى الله عليه وسلم و النيل منه و قد كانوا يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم الدوائر ، ويتحينون كل فرصة ووسيلة للقضاء عليه ؟!! و الحاصل أن أعداء الإسلام لم يتخذوا هذا الأمر فرصة لهم لاثارة الشكوك حول النبي صلى الله عليه وسلم و النيل منه و لو وقع ذلك منهم لنقل إلينا ؛ لأنه مما تتداعى الهمم والدواعي على نقله فلما لم ينقل دل أنه لم يقع وهذا يدل على أن إنجاب المرأة ستة أولاد بعد سن الأربعين كان أمرا طبيعيا لا شيء فيه في هذا العصر .
وعلماء المسلمين الذين كتبوا في التاريخ و السير و والتراجم وكتبوا أن سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين الزواج من النبي صلي الله عليه وسلم كان أربعين و أنها أنجبت ستة من الأولاد لم يرد عنهم استشكال مفاده كيف تنجب ستة أولاد و قد تزوجت وهي بنت أربعين سنة ؟ لأن هذا كان أمرا عاديا في العصور السابقة وإنما هذا الاستشكال ورد من قبل المنصرين و الملاحدة و العلمانيين لجهلهم بالواقع و التاريخ بل والطب .
ومن يعترض من الملاحدة على إنجاب السيدة خديجة رضي الله عنها بعد الأربعين من عمرها فليأتنا بدليل صحيح خال من معارض معتبر أنها قد بلغت سن الإياس أو يأتنا بدليل صحيح خال من معارض معتبر أن النساء في العصر الذي كانت فيه السيدة خديجة رضي الله عنها كن يبلغن سن الإياس بعد الأربعين أو يأتنا بدليل صحيح خال من معارض معتبر أن نساء عشيرة السيدة خديجة رضي الله عنها من قبل أمها وأبيها كن يبلغن سن الإياس بعد الأربعين أما استنكار الأمر دون دليل خال من معارض معتبر فهو استنكار غير مسلم ،ولا يوجد في المراجع الطبية ما يؤيده فضلا عن الأدلة الشرعية .
وإن قيل ما الدليل أنها لم تبلغ سن الإياس بعد الأربعين فالجواب أن متوسط سن الإياس ما بين 45 سنة إلى 55 سنة ،والسيدة خديجة رضي الله عنها أنجبت بعد الأربعين – حسب المشهور عند العلماء - وهذا دليل أنها لم تصل لسن الإياس بعد .
و ليعلم القاريء أن السيدة خديجة رضي الله عنها تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلَيْنِ ; الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ هند أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ يعني السيدة خديجة أنجبت ممن تزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم و أنجبت من النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأولاد فيصدق عليها أنها امرأة ولود كثيرة الأولاد و من كان هذا حالها لا يمتنع أن تلد بعد الخمسين فضلا عن بعد الأربعين مادامت لم تصل لسن الإياس بعد .
و إني أسأل و يحق لي أن أسأل هؤلاء الملاحدة المستنكرون أيها المستنكرون هل إنجاب المرأة بعد الأربعين أمرا مستحيلا في عصرنا ؟ و الجواب إنجاب المرأة بعد الأربعين ليس أمرا مستحيلا في عصرنا لكنه ليس كثير الحدوث و نسمع بين الحين والآخر عن امرأة أنجبت بعد الأربعين و امرأة أنجبت بعد الخمس و أربعين بل و امرأة أنجبت في سن الخمسين و عليه نقول للملاحدة ليست خديجة رضي الله عنها هي الوحيدة التي أنجبت بعد الأربعين فإن كان هذا جائز في عصرنا فلأن يجوز في العصور السابقة من باب أولى .
و لو قمنا بسؤال أحد مختصي النساء وتوليد هل قمتم بتوليد نساء فوق سن الأربعين و نساء فوق الخمس و أربعين سنة ولادة طبيعية ؟ تجد الإجابة عند البعض إن لم يكن الكثير منهم نعم قمنا بتوليد نساء فوق سن الأربعين و نساء فوق الخمس و أربعين سنة ولادة طبيعية ،وقد قمت بنفسي بسؤال الكثير من مختصي النساء وتوليد و استشاري النساء وتوليد بحكم عملي معهم فكان الجواب بنعم ،وأن لا يوجد مانع أن تلد المرأة في سن كبير مادامت لم تصل لسن الإياس بعد و حيضها منتظم و لا يوجد عندها مشكلة مرضية تمنع الإنجاب .
و لأني مختص تخدير قمت بتخدير أكثر من عشرين حالة تجاوزت الخمس و أربعين سنة لعمل قيصيرية من أجل أن يقوم مختص النساء و التوليد بعد إخراج المولود بعمل عملية ربط قناتي فالوب لمنع حدوث حمل مرة أخرى نظرا ؛ لأن الحمل يعرضهن للضرر البالغ الذي فيه خطورة على حياتهن ،وهذا هو الغرض الأساسي من القيصرية و ليس السبب صعوبة الولادة الطبيعية بالنسبة لهن .
و نسمع بين الحين والآخر عن نساء يقاربن الخمسين من أعمارهن يأتين إلى عيادة مختص نساء وتوليد أو استشاري نساء وتوليد لأخذ وسيلة منع حمل مناسبة للخشية من الإنجاب ؛ لأنهن يتضررن كثيرا من الإنجاب في هذا السن ،ولا ننكر أن عدد هؤلاء النسوة قليل لكنه موجود ،ويكفي وجوده لبيان جواز وقوعه .
وبالنسبة لولادة فاطمة رضي الله عنها أصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نجد حديثا صحيحا يبين لنا متى ولدت ، و قد اختلف السادة العلماء في وقت ولادتها ، منهم من قال ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: ولدت وقريش تبني الكعبة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن خمس وثلاثين، وقيل: ولدت قبل النبوة بخمس سنين ،وهي أقوال لا تستند لدليل صحيح فالأخذ بأعلى تقدير تحكم ،وأعلى تقدير 41 هو سنة من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع إضافة 15 سنة يصير المجموع 56 سنة ،وهو سن نادر الإنجاب فيه ،وعلى أقل تقدير 35 سنة من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع إضافة 15 سنة المجموع 50 سنة ، وهو سن جائز فيه الإنجاب .
و ختاما أقول إن ابن أسحاق وهو من أشهر علماء السير قال أَن أَوْلَاده – أي أولاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من خديجة -كلهم ولدُوا قبل الْإِسْلَام يعني قبل أن يصل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسن الأربعين يعني سن السيدة خديجة على القول أن سنها حين الزواج أربعون سيكون أقل من خمس وخمسين سنة يعني لم تصل لسن الإياس بعد حسب المراجع الطبية فإنجابها قبل سن الإياس بسنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس جائز و غير مستحيل و بالتالي لا وجه لاستنكار الملاحدة إنجابها قبل بلوغها سن الإياس .
هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .
ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل صحيح وادعاءات بلا مستند راجح ، ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى ومغالطة تلو المغالطة و دعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .
و من المغالطات التي يدعيها الملاحدة استنكارهم إنجاب السيدة خديجة رضي الله عنها ستة أولاد من النبي صلي الله عليه وسلم بعد سن الأربعين من عمرها و يتسائلون عن سن السيدة خديجة رضي الله عنها عندما ولدت السيدة فاطمة رضي الله عنها ،و نظرا لأن استنكار الملاحدة أدخل الريبة عند بعض المسلمين الذي اطلعوا صدفة على استنكار الملاحدة قمنا بالرد علي الملاحدة لبيان تفاهة استنكارهم و قبل الرد على استنكارهم لإنجاب السيدة خديجة رضي الله عنها ستة أولاد من النبي صلي الله عليه وسلم بعد سن الأربعين من عمرها يستحسن بنا معرفة الراجح في سن السيدة خديجة رضي الله عنها عندما تزوجت من النبي صلي الله عليه وسلم .
والمشهور في كتب السيرة أن عمر السيدة خديجة رضي الله عنها عندما تزوجها النبي صلي الله عليه وسلم كان أربعين سنة ، وأنها لما توفيت كانت بنت خمس وستين ،و لم يثبت حديث صحيح في تحديد عمرها وقت زواج النبي صلي الله عليه وسلم لها ،والثابت أنها كانت أكبر منه سنا بسنوات كثيرة لقول السيدة عائشة رضي الله عنها عنها أنها عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين وكان ذلك بمحضر النبي صلي الله عليه وسلم ولم ينكر .
و الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: « اللهم هالة ». قالت: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها .
والشاهد من الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها وصفت السيدة خديجة رضي الله عنها أنها عجوز ولم تقل أنها امرأة كبيرة السن ،ووصفتها بأنها حمراء الشدقين ،و كان ذلك بمحضر النبي صلي الله عليه وسلم ، ولم ينكر ، والعَجُوز والعَجُوزة مِنَ النِّسَاءِ : الشَّيْخَة الهَرِمة ،و الشدق جانب الفم ،و المقصود بحمراء الشدقين أنها كانت عجوز كبيرة في السن إلى درجة أنها قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق في فمها بياض من الأسنان وإنما حمرة اللثاث.
و المرأة تحت سن الستين لا توصف عادة أنها عجوز من العجائز بل توصف بأنها كبيرة السن و لذلك من المستبعد أن يكون سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين الوفاة كان خمسين أو فوق الخمسين بقليل بل فوق الستين ، ولو عدنا بالزمن إلى الوراء و أخذنا في الاعتبار أن مدة زواجها من النبي صلي الله عليه وسلم إلى أن توفيت خمس وعشرين سنة تعين أنها وقت زواجها من النبي صلي الله عليه وسلم كان سنها أكبر من الخمس و ثلاثين سنة .
و كون السيدة خديجة رضي الله عنها وصفت بأنها حمراء الشدقين و احمرار الشدق يكون عادة عندما تجاوز المرأة الخمس و خمسين سنة إلا أن يكون هناك مرض يتسبب في سقوط الأسنان قبل هذا السن كالداء السكري ،وعليه فالراجح أن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت أكبر سنا من النبي صلي الله عليه وسلم حين تزوجها و كانت فوق الخمس و ثلاثين من عمرها ، هذا ما تبين لي والله اعلم .
و إذا كان سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين زواجها من النبي صلي الله عليه وسلم فوق الخمس و ثلاثين سنة ، وحمل المرأة تسعة أشهر فلو كان بين كل حمل و آخر ستة أشهر و عدد الأولاد ستة لاحتاجنا سبع سنوات و نصف لإنجاب ستة أولاد يعني ستنجب كل الأولاد و هي أقل 48 سنة و جائز للمرأة - عرفا و طبا- أن تلد و هي بنت 48 سنة ، ولو كان سنها حين الزواج 36 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 36 + 7.5 = 43.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 37 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 37 + 7.5 = 44.5 سنة ،و لو كان سنها حين الزواج 38 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 38 + 7.5 = 45.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 39 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 39 + 7.5 = 46.5 سنة ،ولو كان سنها حين الزواج 40 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر ستة أشهر 40 + 7.5 = 47.5 سنة .
ولو كان بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا و عدد الأولاد ستة لاحتاجنا عشر سنوات و نصف لإنجاب ستة أولاد يعني ستنجب كل الأولاد و هي أقل من 51 سنة و سن 51 جائز للمرأة - عرفا و طبا - أن تلد فيه ،و لو كان سنها حين الزواج 36 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 36 + 10.5 = 46.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 37 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 37 + 10.5 = 47.5 سنة ،و لو كان سنها حين الزواج 38 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 38 + 10.5 = 48.5 سنة و لو كان سنها حين الزواج 39 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 39 + 10.5 = 49.5 سنة ،ولو كان سنها حين الزواج 40 سنة يكون السن اللازم لإنجاب ستة أولاد بين كل حمل و آخر اثنى عشر شهرا 40 + 10.5 = 50.5 سنة .
ولو كان بين كل حمل و آخر سنة ونصف أي ثمانية عشر شهرا و عدد الأولاد ستة لاحتاجنا ثلاث عشرة سنة و نصف لإنجاب ستة أولاد يعني ستنجب كل الأولاد و هي أقل من 54 سنة و سن 54 سنة جائز للمرأة أن تلد فيه و إن كان قليلا جدا .
مع الأخذ في الاعتبار أن الفترة بين الحمل و الآخر قد تقل عن ستة أشهر و قد تزيد عن سنة ونصف فقد تكون الفترة بين الحمل و الآخر خمس أشهر و قد تكون الفترة بين الحمل و الآخر سنتين و قد تكون الفترة غير ذلك ،وقد تكون في مرة سنة و مرة أخرى سنة ونصف لكن ما ذكرناه أمور تقريبية لبيان جواز وقوع الأمر ،ومادام الأمر جائز الوقوع فالاستنكار في غير محله .
والسن الذي تكون فيه الأنثى قادرة على الإنجاب هو السن الذي يمكن أن تحيض فيه و السن الذي يمكن أن تحيض من سن البلوغ puberty إلى سن الإياس Menopause ، و سن الإياس هو السن الذي إذا وصلت إليه المرأة انقطع حيضها ، ولا أمل في عودته إليها و متوسط سن الإياس في الكثير من المراجع الطبية يتراوح من 45 إلى 55 سنة ،و بالتالي يمكن للمرأة أن تنجب بعد الأربعين ،وهي لم تبلغ سن الإياس و بعد الخمس و أربعين ،وهي لم تبلغ سن الإياس بل وبعد الخمسين ،وهي لم تبلغ سن الإياس - لكن فرصة الإنجاب بعد الخمسين قليلة - فما المانع أن تنجب السيدة خديجة رضي الله عنها بعد الأربعين من عمرها ،وهي لم تبلغ سن الإياس بعد ؟ و ماذا لو كان سنها حين الزواج أقل من الأربعين ؟.
وعلى التسليم أن سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين الزواج أربعين سنة نسأل الملاحدة أيها الملاحدة إذا كان إنجاب المرأة ستة أولاد بعد سن الأربعين أمرا غير طبيعي و مظنة للشكوك وسوء الظن فكيف لم يتخذ أعداء الإسلام من مشركين و يهود و نصارى هذا الأمر فرصة لهم لاثارة الشكوك حول النبي صلى الله عليه وسلم و النيل منه و قد كانوا يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم الدوائر ، ويتحينون كل فرصة ووسيلة للقضاء عليه ؟!! و الحاصل أن أعداء الإسلام لم يتخذوا هذا الأمر فرصة لهم لاثارة الشكوك حول النبي صلى الله عليه وسلم و النيل منه و لو وقع ذلك منهم لنقل إلينا ؛ لأنه مما تتداعى الهمم والدواعي على نقله فلما لم ينقل دل أنه لم يقع وهذا يدل على أن إنجاب المرأة ستة أولاد بعد سن الأربعين كان أمرا طبيعيا لا شيء فيه في هذا العصر .
وعلماء المسلمين الذين كتبوا في التاريخ و السير و والتراجم وكتبوا أن سن السيدة خديجة رضي الله عنها حين الزواج من النبي صلي الله عليه وسلم كان أربعين و أنها أنجبت ستة من الأولاد لم يرد عنهم استشكال مفاده كيف تنجب ستة أولاد و قد تزوجت وهي بنت أربعين سنة ؟ لأن هذا كان أمرا عاديا في العصور السابقة وإنما هذا الاستشكال ورد من قبل المنصرين و الملاحدة و العلمانيين لجهلهم بالواقع و التاريخ بل والطب .
ومن يعترض من الملاحدة على إنجاب السيدة خديجة رضي الله عنها بعد الأربعين من عمرها فليأتنا بدليل صحيح خال من معارض معتبر أنها قد بلغت سن الإياس أو يأتنا بدليل صحيح خال من معارض معتبر أن النساء في العصر الذي كانت فيه السيدة خديجة رضي الله عنها كن يبلغن سن الإياس بعد الأربعين أو يأتنا بدليل صحيح خال من معارض معتبر أن نساء عشيرة السيدة خديجة رضي الله عنها من قبل أمها وأبيها كن يبلغن سن الإياس بعد الأربعين أما استنكار الأمر دون دليل خال من معارض معتبر فهو استنكار غير مسلم ،ولا يوجد في المراجع الطبية ما يؤيده فضلا عن الأدلة الشرعية .
وإن قيل ما الدليل أنها لم تبلغ سن الإياس بعد الأربعين فالجواب أن متوسط سن الإياس ما بين 45 سنة إلى 55 سنة ،والسيدة خديجة رضي الله عنها أنجبت بعد الأربعين – حسب المشهور عند العلماء - وهذا دليل أنها لم تصل لسن الإياس بعد .
و ليعلم القاريء أن السيدة خديجة رضي الله عنها تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلَيْنِ ; الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ هند أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ يعني السيدة خديجة أنجبت ممن تزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم و أنجبت من النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأولاد فيصدق عليها أنها امرأة ولود كثيرة الأولاد و من كان هذا حالها لا يمتنع أن تلد بعد الخمسين فضلا عن بعد الأربعين مادامت لم تصل لسن الإياس بعد .
و إني أسأل و يحق لي أن أسأل هؤلاء الملاحدة المستنكرون أيها المستنكرون هل إنجاب المرأة بعد الأربعين أمرا مستحيلا في عصرنا ؟ و الجواب إنجاب المرأة بعد الأربعين ليس أمرا مستحيلا في عصرنا لكنه ليس كثير الحدوث و نسمع بين الحين والآخر عن امرأة أنجبت بعد الأربعين و امرأة أنجبت بعد الخمس و أربعين بل و امرأة أنجبت في سن الخمسين و عليه نقول للملاحدة ليست خديجة رضي الله عنها هي الوحيدة التي أنجبت بعد الأربعين فإن كان هذا جائز في عصرنا فلأن يجوز في العصور السابقة من باب أولى .
و لو قمنا بسؤال أحد مختصي النساء وتوليد هل قمتم بتوليد نساء فوق سن الأربعين و نساء فوق الخمس و أربعين سنة ولادة طبيعية ؟ تجد الإجابة عند البعض إن لم يكن الكثير منهم نعم قمنا بتوليد نساء فوق سن الأربعين و نساء فوق الخمس و أربعين سنة ولادة طبيعية ،وقد قمت بنفسي بسؤال الكثير من مختصي النساء وتوليد و استشاري النساء وتوليد بحكم عملي معهم فكان الجواب بنعم ،وأن لا يوجد مانع أن تلد المرأة في سن كبير مادامت لم تصل لسن الإياس بعد و حيضها منتظم و لا يوجد عندها مشكلة مرضية تمنع الإنجاب .
و لأني مختص تخدير قمت بتخدير أكثر من عشرين حالة تجاوزت الخمس و أربعين سنة لعمل قيصيرية من أجل أن يقوم مختص النساء و التوليد بعد إخراج المولود بعمل عملية ربط قناتي فالوب لمنع حدوث حمل مرة أخرى نظرا ؛ لأن الحمل يعرضهن للضرر البالغ الذي فيه خطورة على حياتهن ،وهذا هو الغرض الأساسي من القيصرية و ليس السبب صعوبة الولادة الطبيعية بالنسبة لهن .
و نسمع بين الحين والآخر عن نساء يقاربن الخمسين من أعمارهن يأتين إلى عيادة مختص نساء وتوليد أو استشاري نساء وتوليد لأخذ وسيلة منع حمل مناسبة للخشية من الإنجاب ؛ لأنهن يتضررن كثيرا من الإنجاب في هذا السن ،ولا ننكر أن عدد هؤلاء النسوة قليل لكنه موجود ،ويكفي وجوده لبيان جواز وقوعه .
وبالنسبة لولادة فاطمة رضي الله عنها أصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نجد حديثا صحيحا يبين لنا متى ولدت ، و قد اختلف السادة العلماء في وقت ولادتها ، منهم من قال ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: ولدت وقريش تبني الكعبة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن خمس وثلاثين، وقيل: ولدت قبل النبوة بخمس سنين ،وهي أقوال لا تستند لدليل صحيح فالأخذ بأعلى تقدير تحكم ،وأعلى تقدير 41 هو سنة من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع إضافة 15 سنة يصير المجموع 56 سنة ،وهو سن نادر الإنجاب فيه ،وعلى أقل تقدير 35 سنة من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع إضافة 15 سنة المجموع 50 سنة ، وهو سن جائز فيه الإنجاب .
و ختاما أقول إن ابن أسحاق وهو من أشهر علماء السير قال أَن أَوْلَاده – أي أولاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من خديجة -كلهم ولدُوا قبل الْإِسْلَام يعني قبل أن يصل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسن الأربعين يعني سن السيدة خديجة على القول أن سنها حين الزواج أربعون سيكون أقل من خمس وخمسين سنة يعني لم تصل لسن الإياس بعد حسب المراجع الطبية فإنجابها قبل سن الإياس بسنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس جائز و غير مستحيل و بالتالي لا وجه لاستنكار الملاحدة إنجابها قبل بلوغها سن الإياس .
هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق