الأحد، 15 يناير 2017

موقع المختار الإسلامي - أدلة صدق النبوة، والرد على منكري النبوات

أدلة صدق النبوة ، والرد على منكري النبوات


اقتضت حكمة الله تأييد الأنبياء والرسل بالأدلة الدالة على صدقهم إذ الرسل
بحاجة لتأييد ليعرف الناس أنهم من قبل الخالق جل و علا فلا بد أن يأيدهم الله
بالأدلة الدالة على صدق دعوتهم كتأييدهم بالمعجزات ،
وتأييد الخالق رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر
وإقامته للحجة على
العباد، إذ لم يبعث الخالق رسولا من الرسل إلا ومعه آية تدل على صدقه
فيما أخبر
به،ومن عظيم حكمة الخالق أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه
القوم المرسل
إليهم، إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر ، فلو جعلت معجزة الرسول في
أمر يجهله من
أرسل إليهم ، لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه .

و قد شهد التاريخ بالعديد من الرسل كموسى عليه السلام الذي أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ، فآتاه الخالق
من الآيات ما
فاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله ، و يجب ألا نخلط بين الأمر الخارق للعادة مع دعوى
النبوة الذي هو المعجزة و بين الأمر الخارق للعادة مع الاستقامة والصلاح و عدم
دعوى النبوة و هي الكرامة فالمعجزة هي الأمر الخارق للعادة ، وكذلك الكرامة في عرف
أئمة أهل العلم المتقدمين إلا أن المعجزة تقترن بدعوى النبوة و الكرامة لا تقترن
بذلك [1]  .

 و من يقول لا نثبت الكرامة ؛ لأننا
لو أثبتنا الكرامات لاشتبه الساحر بالولي و الولي بالنبي ؛ لأن كل واحد منهم يأتي
بخارق فالجواب لا يمكن الالتباس ؛ لأن الكرامة على يد ولي ، والولي لا يمكن أن
يدعي النبوة ، ولو ادعاها لم يكن وليا  أية
النبي تكون على يد نبي ، والشعوذة و السحر على يد عدو بعيد من ولاية الله ، وتكون
بفعله باستعانته بالشياطين فينالها بكسبه بخلاف الكرامة فهي من الله تعالى لا
يطلبها الولي بكسبه [2] و كل
عاقل يميز بين سيرة الساحر و الدجال والكذاب و بين سيرة النبي الصالح ، وكل إناء
بما فيه ينضح فالنبي لابد أن يأتي بما أمرت به الأنبياء من التوحيد والعدل والصدق
، ويخبر بيوم الجزاء و بما أعد الله تعالى للصالحين و ما توعد به الكافرين و
الفاسقين و الساحر لا يأمر بخير و الدجال كذلك مثله لا يحول إلا حول مال أو رياسة
أو جاه أو منصب ولابد أن يثبت كذب المتنبيء الكاذب وصدق النبي  الصادق الصالح [3]
إذن يشترط للمعجزة أن تكون أمر خارق للعادة مع دعوى النبوة و دعوة الناس لعبادة
الله تمييزا لهؤلاء الرسل عن غيرهم  ممن
تحدث لهم بعد الخوارق لكنهم لايدعون لعبادة الخالق ولا لدين الخالق  ،
بل سحرة خبثاء ، ومن
هنا ندرك كذب من يقول المعجزة ليست دليلا على صحة نبوة مدعي النبوة لظهور الخوارق
على أيدي بعض الناس غير الأنبياء إذ يستحيل ظهور أمر خارق للعادة مع دعوى النبوة
،و يكون مدعيها كاذب فالتأييد بالمعجزة مع دعوى الرسالة
إن
لم يكن مدعيها نبي فهذا تأييد من الله لمدعيها الكاذب و هذا لايجوز في حق الله
،فتحتم أن يكون ظهور المعجزة مع دعوى الرسالة دليل على صدق النبوة   .

و قد اتفقت الكتب والشرائع على أنّ الله جل
وعلا لا يؤيّد الكذّاب عليه، بل لا بُدّ أن يظهر كذبه، وأن ينتقم منه،

و
لو أن حاجب الأمير قال للناس :إن الأمير قد أمركم بفعل كذا وكذا . فإن الناس
يعلمون أنه لا يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته ، فكيف إذا كان بحضرته
، والله لا يغيب عنه
شيء .


قال ابن القيم : ((
وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير
إليه اليهود بالعلم والرياسة، فقلت له في أثناء الكلام : أنتم بتكذيبكم محمدا صلى
الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة. فعجب من ذلك ، و قال : مثلك يقول هذا
الكلام ! فقلت له : إسمع الآن تقريره ، إذا قلتم : إن محمدا ملك ظالم قهر الناس
بسيفه و ليس برسول من عند الله ، و قد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله
أرسله إلى الخلق كافة ، و يقول : أمرني الله بكذا و نهاني عن كذا و أوحى إلي كذا؛
ولم يكن من ذلك شيء ، ويقول : إنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم
وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم ، فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على
ذلك ويشاهده ويعلمه، أو تقولوا أنه خفى عنه ولم يعلم به، فإن قلتم لم يعلم به
نسبتموه إلى أقبح الجهل وكان من علم ذلك أعلم منه، وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه
ومشاهدته واطلاعه عليه فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه
ومنعه من ذلك، أولا، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي
للربوبية، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعيه ويعلى كلمته، ويجيب
دعاءه ويمكنه من أعدائه ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على
الألف ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له فهذا من
أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء؛
فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب
فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه
أفلح وسعد ))[4]
 .

وليس التأييد
بالمعجزات وحسب هو الدليل على صدق النبوة فالبيئة أيضا التي وجد فيها مدعي
النبوة  تكون أيضا دليلا على النبوة

إذ الحاجة لوجود نبي مع
ظهور مدعي النبوة و تأييده بالمعجزات دليل على صدق النبوة إذن
من علامات صدق النبوة
أن تظهر في زمان في حاجة إلى نبي  ،فحاجة
الزمان إلى نبي تكون مؤذنة بظهور  نبي  
لسد هذه الحاجة ، و هذه من رحمة الله بعباده ،
ولذلك
كثرة  بعثة الأنبياء في بني إسرائيل ، وذلك لكثرة
فسادهم وعصيانهم وتمردهم، فاحتاجوا إلى
الإصلاح دائما، فكانت الرسل
والأنبياء تأتيهم واحداً بعد الآخر على فترات قريبة وربما اجتمع أكثر من نبي في
فترة واحدة ليذكروهم وينهوهم عن غيِّهم وانحرافاتهم وما أحدثوه من فساد بعد موسى
عليه السلام. وقد اعتبر اليهودُ كثرة الرسل والأنبياء فيهم ميزة ومفخرة لهم على
سائر الأمم، ولكنهم مغرورون ؛ لأن كثرة الأنبياء والرسل دلالة على كثرة الفساد
الذي انتشر فيهم. ذلك أن الله يرسل رسله لتذكير الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن
المنكر، ألا ترى إلى المريض الذي تعددت أمراضه كيف يكثر حوله الأطباء؟ فلا حجة لهم
يوم القيامة .

 والقول بأن ظهور نبي في وقت الناس يحتاجون فيه
لنبي ليس دليل على صدق النبوة قول باطل إذ ظهور نبي في وقت يحتاج فيه الناس لنبي
مع التأييد بالمعجزات فهذا إقرار من الله لهذا النبي
، والله لا
يقر الكاذب عليه بل يخذله ويفضحه .

وليس ظهور المعجزات مع دعوى
النبوة و الدعوة إلى عبادة الله و الحاجة لوجود نبي هي الأدلة فقط على صدق
النبوة  بل سيرة مدعي النبوة و أخلاقه مع
دعوى النبوة دليل على صدق النبوة
 
فأخلاق الإنسان شاهدة
عليه ، و الخُلق هيئة راسخة بالإنسان لا تنفك عنه فلا يستطيع من شيمته الكذب أن
يكذب تارة ويصدق تارة، ومن اعتاد الصدق حتى اشتهر به بين الناس وصار علمًا عليه
فلا يكذب على الله سبحانه وتعالى إذ كيف لا يكذب على الناس و يكذب على رب الناس
، و الأخلاق الحسنة
والفضائل العليا مع دعوى الرسالة لدليل على صدقها  فالكاذب تفضحه أخلاقه وتكشفه جرائمه، أما النبي
الصادق فتلوح عليه علامات الصدق وتزينه الأخلاق الحسنة ويجافيه سيئها،
ومن
المعلوم ضرورة أنه لا يمكن لرجل كاذب، مداوم على الكذب، ويدعي كل يوم أنه أتاه وحي
جديد من الله تعالى، ومع هذا لم يستطع أحد أن يلاحظ ذلك عليه ويعرف حقيقته ، فإنه
من كان في قلبه خلاف ما يبطن فلا بد أن يزل، وأن تعرف حقيقته بفلتات لسانه ولحن
قوله .

و من أدلة صدق النبوة نصر الله
لمدعي النبوة 
فالله جل وعلا لا
يؤيد أو ينصر الكذابين
فما دام مدعي النبوة قد نصره الله فهذا
دليل على صدقه لإقرار الله لدعوته
.

و نخلص مما سبق أن أدلة صدق النبوة يستحيل
أن ينتحلها غير نبي ، ولم نر يوما ، ولم نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ،و هو ليس
بنبي و
قد ظهرت
على يديه المعجزات و دعى الناس لعبادة خالق الأرض و السماوات
، و لم نر يوما ، و
لم نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ، و هو ليس بنبي
في وقت الناس بحاجة لنبي  و قد وفقه الله بل نجد خذلان الله له ، و لم نر يوما ، و لم
نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ، و هو ليس بنبي
و كان على خلق قويم وصدق ، و لم نر يوما ، و لم
نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ، و هو ليس بنبي
و قد نصره الله بل الخذي
والبهتان وما مسليمة الكذاب منا ببعيد ، و ما يستدل به منكري النبوات إما حدوث
خوارق للعادات على أيدي غير مدعي النبوة كالصالحين والمشعوذين فهي خارج عن محل
النزاع فمحل النزاع دعوى النبوة مع ظهور الخوارق ، وقد يستدل منكري النبوة بادعاء بعض
الكذبة النبوة ولا تجد لهم من الله توفيقا ، ومحل النزاع دعوى النبوة مع توفيق
الله للمدعي و صدق المدعي في القول والعمل و ظهور الصلاح عليه .



















[1] - تهذيب شرح الطحاوية للدكتور محمد صلاح
الصاوي ص 83

[2] - شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ص 618 - 619

[3] العقائد السلفية لأحمد بن حجر آل بوطامي ص 424


[4] - هداية الحيارى في أجوبة
اليهود والنصارى لابن القيم ص 87

موقع المختار الإسلامي - شبهة عدم إتيان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بمعجزة ودحضها



         

           شبهة عدم إتيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة و دحضها

قال منكرو الرسالة المحمدية أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة ،و لقد أنكر القرأن أن يكون لمحمد صلى الله عليه و سلم أى معجزات و هذا فى أيات عديدة كقوله تعالى : ﴿ مَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [1] و الجواب على ذلك أن الآية نفسها تدحض هذه الشبهة فمعنى الآية وما منعَنا من إنزال المعجزات التي سألها المشركون إلا تكذيب مَن سبقهم من الأمم، فقد أجابهم الله إلى ما طلبوا فكذَّبوا وهلكوا. وأعطينا ثمود -وهم قوم صالح- معجزة واضحة وهي الناقة، فكفروا بها فأهلكناهم. وما إرسالنا الرسل بالآيات والعبر والمعجزات التي جعلناها على أيديهم إلا تخويف للعباد؛ ليعتبروا ويتذكروا [2] فالكلام عن آيات معينة و ليس عدم الإتيان بأي آية ،و هذه الآيات هي : ﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً*أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أو يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً[3] و هذه الآيات التي طالب بها المشركون طالبوا بها تمطعا ، والامتناع عن إعطاء الأيات التى يطلبها الكافرون تمطعاً و عناداً موجود في كتبهم ففي إنجيل متى : (( فخرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه .  فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية.الحق اقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية ))[4]  .
و أيضا شبهة أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة يغني فسادها عن إفسادها فالقرآن الكريم ، والأخبار ، والأحاديث المتواترة ، التي جمعها المحدّثون في كتبهم ، اتفقت جميعها على حدوث كثير من المعجزات على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنّها كانت بتسديد من الله عزَّ وجل و قد نص القرأن على إثبات الأيات لنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما فى قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ [5] أي : وإن ير المشركون دليلا وبرهانًا على صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يُعرضوا عن الإيمان به وتصديقه مكذبين منكرين, ويقولوا بعد ظهور الدليل: هذا سحر باطل ذاهب مضمحل لا دوام له[6] .
 وأعظم آية لنبي محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن وليس فقط أعظم آيات النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل جميع الأنبياء على ما أتوا به من الآيات واختلافها وتنوعها أعظم آياتهم هـذا الكتاب المبين؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ما من نبيِّ من الأنبياء إلا وأوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً )) [7] و في الحديث دلالة على أن أعظم آيات الأنبياء هي آية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه رجا بهذه الآية أن يكون أكثرهم تابعاً، وكثرة الأتباع إنما تكون ناشئة عن عظم الآية التي رأوها وأتي إليهم بها، وآية محمد صلى الله عليه وسلم القرآن هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو آية مستمرة، بخلاف سائر آيات الأنبياء فإنها آيات مؤقتة وفي مكان محدد، فهي محدودة في المكان والزمان، أما القرآن فهو آية على مرّ العصور وعلى اختلاف الأزمان وعلى اختلاف الأماكن أيضاً، فهو آية عظيمة مستمرة باهرة، ولذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر الأنبياء تابعاً .





[1] - الإسراء الآية 59
[2] - التفسير الميسر
[3] - الإسراء الآية 90 - 93
[4] - متى إصحاح 8 عدد 11
[5] - القمر الآية 2
[6] - التفسير الميسر
[7] - رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما

السبت، 14 يناير 2017

موقع المختار الإسلامي - الإسلام هو الدين الحق

الإسلام هو الملة التي يدين بها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، أمره الله بإبلاغ دينه للناس قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا )[1]، وقال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )[2] وهو آخر الأنبياء فلا نبي بعده قال - تعالى -: ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً )[3].
والإسلام هو الدين المقبول عند الله فلا يقبل الله دين سواه قال - تعالى -: ( ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[4]، وقال - تعالى -: ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[5].
والإسلام هو الدين الناسخ لما قبله من الشرائع السماوية وقد أظهره الله على كل الأديان قال - تعالى -: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )[6].
ودين الإسلام دين لجميع الناس قال - تعالى -: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )[7] وقال - تعالى -: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )[8].
وقد أيد الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعجزات الباهرة التي أجلها وأعظمها القرآن فالقرآن من جنس ما تكلم به العرب ورغم ذلك يستحيل أن يأتي أحدا بمثله في البيان والحلاوة والحسن والكمال والعذوبة وأداء المعنى المراد مع حرص العرب، وغير العرب على معارضته فلما عجزوا عن الإتيان بمثله علم أنه ليس قول البشر قال - تعالى -: ( أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [9].
وقد تكفل الله بحفظ القرآن قال - تعالى -: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[10].
والقرآن متصل السند للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد نقله إلينا الالاف عن الالاف بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب فالقرآن مأخوذ بالسماع وليس السماع وحسب بل السماع والكتابة.
وليس القرآن فقط الذي حفظه المسلمون بل حفظوا أيضا أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وشددوا في رواية الأحاديث النبوية بأرقى ما وصل إليه علم النقد، واعتنى العلماء بتصحيح الأخبار والتثبت فيها ونقدها من جهة السند ومن جهة المتن، وامتازت الرواية في الإسلام بدقة الضبط والتحري من حيث صدقها ومطابقتها للواقع ومن حيث اتصال سندها بنقل العدل الضابط عن مثله حتى يصل به إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - واعتنى العلماء بعلم الإسناد ونقد الرواة إذ به يعرف التمييز بين الصحيح والحسن والضعيف من المرويات والمقبول والمردود منها وهذا من خصوصية أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يعرف عن أمة من الأمم السابقة العناية بما جاء عن نبيها فضلا عن العناية بكلام ربها كما حصل لهذه الأمة.
وقال بعض المنصرين رواية القرآن لم يتوافر في نقلها شروط الرواية المتواترة، إذ إن الصحابة الذين نقلوا القرآن عن الرسول عددهم أربعة أو ستة أنفار على أكثر تقدير، واستدلوا بحديث: "جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة، كلهم من الأنصار: أُبيُّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد"[11] وحديث: "جمع القرآن على عهد رسول الله ستة نفر: أُبيُّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وسعد، وأبو زيد"[12]، والجواب على هذه الشبهة أن هذين الحديثين يجب عدم أخذهما بمنأى عن الروايات المصرحة بكثرة الحفاظ من الصحابة إذ قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن، وليس كل من جمع القرآن مما يدل على أنهم أكثر من ذلك فعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: ((جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْماءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ))[13]، وفي موقعة اليمامة قتل الكثير ممن جمع القرآن، وقال عمر - رضي الله عنه -: "إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْموَاطِنِ"[14] فما جاء عن الذين قتلوا من جامعي القرآن في حادثة بئر معونة وفي موقعة اليمامة، فكيف  الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضر موقعة اليمامة، ومن لم يحضر موقعة اليمامة وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص أن يتعلم كل من التحق بدار الإسلام بالْمدينة القرآن، فكان يختار لهم من يعلِّمهم فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت ِقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ[15].
وكما يقال الجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما، ولذلك يمكن أن يكون لم يجمع القرآن إلا أربع أي لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك أو لم يجمع القرآن إلا أربع أي لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم أو لم يجمع القرآن إلا أربع أي من تلقاه من فِي النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير واسطة، هم هؤلاء بخلاف غيرهم يمكن أن يكونوا تلقوه بالواسطة.
والإسلام دين يدعو لعبادة الله الواحد الديان قال - تعالى -: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[16] ونهى الله  عن عبادة من سواه قال - تعالى -: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )[17]
والإسلام دين يدعو إلى توحيد الله وينهى عن الشرك قال - تعالى -: ( وإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )[18] وقال - تعالى -: ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )[19].
وقال رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -: (( يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت: "أي معاذ" الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا))[20] والله المنفرد بالصفات العلى قال - تعالى -: ( لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[21] والمنفرد بالأسماء الحسنى قال - تعالى -: ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )[22].
ودين الإسلام من عند الله فكتاب المسلمين الذي يأخذون منه دينهم من عند الله قال - تعالى -: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )[23] أي: وإن كنتم - أيها  الكافرون المعاندون - في شَكٍّ من القرآن الذي نَزَّلناه على عبدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتزعمون أنه ليس من عند الله، فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن، واستعينوا بمن تقدرون عليه مِن أعوانكم، إن كنتم صادقين في دعواكم[24]، وكلام محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء القرآن أو السنة[25] وحي من عند الله قال - تعالى -: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )[26] أي: ما القرآن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -[27].
والبشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو، والنقص، ولو كان هذا الدين وهذا الكتاب المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند غير الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص قال - تعالى -: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ولَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً )[28].
وما يتوهم منه الاختلاف والتعارض فهو في ذهن القارئ وعند الرد لأهل العلم يجد المعنى الصحيح المراد كتقييد مطلق وتخصيص عام أو نسخ حكم أو دليل ضعيف لا يصح ومن لم يعرف أوجه الجمع والترجيح والنسخ والتصحيح والتضعيف آتى بالعجائب والغرائب وهذا حدث كثيرا في كتابات المستشرقين لجهلهم الفادح بعلم التعارض والترجيح والجرح والتعديل.
ومما يدل على أن دين الإسلام من عند الله ما اشتمل عليه هذا الدين من التشريعات، والأحكام، والقصص، والعقائد، الذي لا يمكن أن يصدر عن أي مخلوق مهما بلغ من العقل والفهم، فمهما حاول الناس أن يسنوا تشريعات وقوانين لتنظيم حياتهم، فلا يمكن أن تفلح ما دامت بعيدة عن هدي الإسلام، والمشهور أن أرقى البشر عقلا ورأيا في شئون العالم رجال السياسة الدولية في الغرب وإنك لتجد غاية سياستهم أن يسخروا ثروة شعوبهم ونتائج علومها وفنونها لعداوة بعضهم لبعض وإعدادها للتقتيل والتدمير [29].
والإسلام مبلغه محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول من رسل الله، وليس الله قال - تعالى -: ( ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ )[30]، وقال - تعالى -: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )[31] وقال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )[32]، ودين الإسلام مبلغه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث في مكة قال - تعالى -: ( هوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )[33]، وقال - تعالى -: ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ )[34].
والإسلام عقائد وأعمال وأخبار متصلة السند لنبي محمد صلى الله عليهه وسلم ومن ثم لله فقد قيد لهذا الدين من يحفظون القرآن والأحاديث حفظ صدر وحفظ كتابة.
ودين الإسلام يحوي ما يليق بالله من صفات ولا يوجد به صفات تنتقص من الله قال - تعالى -: ( لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[35]، ونفى الإسلام عن الله ما لا يليق به مع إثبات كمال ضده قال - تعالى -: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ )[36] أي: ولقد  خلقنا السموات السبع والأرض وما بينهما من أصناف المخلوقات في ستة أيام، وما أصابنا من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب. وفي هذه القدرة العظيمة دليل على قدرته - سبحانه - على إحياء الموتى من باب أولى[37].
وقال - تعالى -: ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )[38] أي: الله الذي لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو،  الحيُّ الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله، القائم على كل شيء، لا تأخذه سِنَة أي: نعاس، ولا نوم، كل ما في السموات وما في الأرض ملك له، ولا يتجاسر أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه، محيط علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها، يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة، وما خلفهم من الأمور الماضية، ولا يَطَّلعُ أحد من الخلق على شيء من علمه إلا بما أعلمه الله وأطلعه عليه. وسع كرسيه السموات والأرض، والكرسي: هو موضع قدمي الرب -جل جلاله- ولا يعلم كيفيته إلا الله - سبحانه -، ولا يثقله - سبحانه - حفظهما، وهو العلي بذاته وصفاته على جميع مخلوقاته، الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء[39].
ودين الإسلام يحوي ما يليق بالأنبياء والرسل ولا يحوي ما ينتقص منهم، والإسلام يدعو إلى الإيمان بجميع الرسل والأنبياء وعدم التفريق بينهم قال - تعالى -: ( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )[40] وقال - تعالى -: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )[41] قال - تعالى -: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى  قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )[42] أي: وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم -  عليه السلام - قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة.
إن ربك حكيم في تدبير خلقه، عليم بهم. ومننَّا على إبراهيم - عليه السلام - بأن رزقناه إسحاق ابنًا ويعقوب حفيدًا، ووفَّقنا كلا منهما لسبيل الرشاد، وكذلك وفَّقنا للحق نوحًا -من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب- وكذلك وفَّقنا للحق من ذرية نوح داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون - عليهم السلام -، وكما جزينا هؤلاء الأنبياء لإحسانهم نجزي كل محسن. وكذلك هدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وكل هؤلاء الأنبياء - عليهم السلام - من الصالحين. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِه وهدينا كذلك إسماعيل واليسع ويونس ولوطا، وكل هؤلاء الرسل فضَّلناهم على أهل زمانهم.
وكذلك وفَّقنا للحق من شئنا هدايته من آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم، واخترناهم لديننا وإبلاغ رسالتنا إلى مَن أرسلناهم إليهم، وأرشدناهم إلى طريق صحيح، لا عوج فيه، وهو توحيد الله - تعالى -وتنزيهه عن الشرك. ذلك الهدى هو توفيق الله، الذي يوفق به من يشاء من عباده. ولو أن هؤلاء الأنبياء أشركوا بالله -على سبيل الفرض والتقدير- لبطل عملهم ; لأن الله - تعالى -لا يقبل مع الشرك عملا. أولئك الأنبياء الذين أنعمنا عليهم بالهداية والنبوة هم الذين آتيناهم الكتاب كصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى، وآتيناهم فَهْمَ هذه الكتب، واخترناهم لإبلاغ وحينا، فإن يجحد - أيها الرسول - بآيات هذا القرآن الكفارُ من قومك، فقد وكلنا بها قومًا آخرين أي: المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة- ليسوا بها بكافرين، بل مؤمنون بها، عاملون بما تدل عليه. أولئك الأنبياء المذكورون هم الذين وفقهم الله - تعالى -لدينه الحق، فاتبع هداهم -أيها الرسول- واسلك سبيلهم. قل للمشركين: لا أطلب منكم على تبليغ الإسلام عوضًا من الدنيا، إنْ أجري إلا على الله، وما الإسلام إلا دعوة جميع الناس إلى الطريق المستقيم وتذكير لكم ولكل مَن كان مثلكم، ممن هو مقيم على باطل، لعلكم تتذكرون به ما ينفعكم[43].
والإسلام دين يخلو من التعارض، ومن توهم حدوث بعض التعارض فهذا لقلة علمه ولو رجع الأمر لأهل العلم المختصين لعرفه أن موهم التعارض هذا سببه عدم جمع ما يستحق الجمع أو عدم ترجيح ما يستحق الترجيح أو عدم القول بالنسخ لما قامت عليه الأدلة بنسخه أو عدم تضعيف ما لا يجمع شروط الحسن والصحة في الحديث.
والإسلام عندما يحرم شيئا ينهى عن الأسباب الموصلة إليه وعندما يأمر بشيء يأمر بالأشياء المعينة على أدائه، والإسلام ينهى عن المباحات إذا كانت طريقا موصلا للحرام.
وفي اتباع تعاليم الإسلام صلاح البشرية فهو يدعو لعبادة الله، وعدم عبادة من سواه، وعبادة الله وحده تبعد الإنسان عن المعاصي والمعاصي تضر بالإنسان نفسه والمجتمع الذي فيه، قال - تعالى -: ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء والْمُنكَرِ ولَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )[44].
وعبادة الله تعطي الإنسان قوة على مجابهة الشدائد والمحن في الدنيا فلا ييأس ولا يكتئب بل يجد ويعمل قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )[45].
وعبادة الله تحبب إلى العبد فعل الخيرات وترك المنكرات وبالتالي يصلح نفسه والمجتمع الذي فيه، والمؤمن بالله يستشعر مراقبة الله له في كل شيء مما يدفعه إلى فعل الصالحات وتجنب المفاسد ويسعى إلى نفع إخوانه مما يحقق له الطمأنينة والراحة النفسية ونفع الآخرين، والإسلام يأمر بالفضائل وينهى عن الرذائل.
والإسلام يأمر بالعدل ويدعو للتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الاثم والعدوان ويدعو للتواصي بالحق والصبر قال - تعالى -: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون )[46] وقال - تعالى -: ( وتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[47] وقال - تعالى -: ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )[48].
والإسلام دين يدعو لإعطاء الفقراء والمساكين والعفو عن الناس قال - تعالى -: ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[49].
والإسلام دين يدعو إلى الرفق قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه )) [50]
والإسلام دين يدعو إلى حسن الأخلاق والأعمال قال - تعالى -: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )[51].
والإسلام دين يدعو لحفظ العقول فحرم ما يؤدي لتدميرها قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام))[52].
والإسلام دين يدعو حفظ الأموال فنهى عن القمار وما يفسد الأموال قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمـَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسـِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِـنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبـُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[53].
والإسلام دين يدعو للرحمة بالآخرين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء))[54].
والإسلام دين يدعو إلى عدم الإسراف في الطعام والشراب وبذلك تحفظ الصحة قال - تعالى -: ( وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )[55].
ونهى الإسلام عن التبذير في إنفاق الأموال قال - تعالى -: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً )[56].
والإسلام دين يدعو للشورى مما يؤدي إلى توحيد الأمة واجتماعها على كلمة واحدة قال - تعالى -: ( فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )[57].
والإسلام دين يدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لردع نفوس أهل الإسلام الضعيفة عن التهاون في الواجبات وارتكاب المحرمات قال - تعالى -: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )[58].
والإسلام دين وضع كيفية توزيع المال على الورثة حسب قرب النفع، وما يحب العبد أن يصل إليه ماله، وما هو أولى ببره وفضله مرتبا ترتيبا تشهد العقول بحسنه قال - تعالى -: ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً )[59].
والإسلام دين يحوي الجواب عما أراده الخالق من الإنسان ومن أين أتي وإلى أين المصير قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )[60] أي: يا أيها الناس خافوا الله والتزموا أوامره، واجتنبوا نواهيه; فهو الذي خلقكم  من نفس واحدة هي آدم - عليه السلام -، وخلق منها زوجها وهي حواء، ونشر منهما في أنحاء الأرض رجالا كثيرًا ونساء كثيرات، وراقبوا الله الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا، واحذروا أن تقطعوا أرحامكم. إن الله مراقب لجميع أحوالكم[61] فبينت الآية أن الله هو خالق الإنسان وأن الله خلق جميع البشر من نفس واحدة آدم - عليه السلام -، وقال - تعالى -: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[62] أي: وما خلقت الجن والإنس وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية، هي عبادتي وحدي دون مَن سواي[63] قال - تعالى -: ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ  أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ )[64].
والإسلام دين يوافق العلم ولا يخالفه بل قد شهدت الاكتشافات العلمية للإسلام بالصحة قال - تعالى -: ( ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ )[65]، وثبت علميا أن العناصر التي يتكون منها الإنسان هي نفس العناصر التي تتكون منها الأرض.
وقال - تعالى -: ( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً )[66] والوتد في كلام العرب هو ما يكون منه جزء ظاهر على سطح الأرض  ومعظمه غائر فيها، وقد ثبت علميا أن للجبال جذور ممتدة تحت الأرض، والتي ثبت أخيراً أنها تزيد على الارتفاع الظاهر بعدة مرات.
وقال - تعالى -: ( وجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً )[67] فقد وصف الله - سبحانه وتعالى - النهار بأنه  مبصر، وقد ثبت علميا أن ضوء الشمس ينعكس على الأشياء ثم تدخل أشعة النور إلى العين فتبصر فالعين تبصر بالضوء الذى ينعكس على الأشياء الموجودة أمامها فيدخل إلى العين فإذا ذهب هذا الضوء وجاء الظلام فإن العين لا تبصر.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله ))[68]، وقد ثبت علميا أن الماء الذي يحمل البويضة لونه أصفر، والمسئول عن تحديد جنس الجنين هي النطفة القادمة من الأب، ومعنى الحديث أن ماء الرجل أي المني الذي يكون منه الرجل وهو النطفة المذكّرة "أي التي تحمل الصبغي الجنسي Y" إذا علا وسبق ماء المرأة أي المني الذي تكون منه المرأة وهو النطفة المؤنثة "وهي التي تحمل الصبغي الجنسي X" يكون المولود ذكرا والعكس بالعكس وهو ما أثبته العلم الحديث.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحية داء وفــي الأخرى شفاء))[69] وثبت علمياً أن الذباب يحمل أنواعاً كثيرة من البكتريا والفيروسات والجراثيم  الممرضة، ولكنه أيضا يحمل على سطح جسده مواد مضادة لهذه الجراثيم، وإن أفضل طريقة لاستخلاص المواد الحيوية المضادة من الذبابة تكون بغمسها في السائل.
ومن هنا نجد أن الإسلام قد جمع جميع صفات الدين الحق فهو من عند الله وآخر الأديان السماوية والناسخ لجميع الشرائع التي قبله، ومبلغه رسول من عند الله والرسول الذي بعث في الأمة الإسلامية، وهو دين يدعو لعبادة الله وتوحيده، وتعاليمه متصلة السند بالنبي المبلغ، والإسلام يحوي ما يليق بالله من صفات ولا يوجد به صفات تنتقص من الله، والإسلام يخلو من التعارض ويوافق العلم ويدعو لمحاسن الأخلاق وجميع الفضائل وينهى عن المنكرات وجميع الرذائل، وفي اتباع الإسلام صلاح البشرية، والإسلام يحوي ما يليق بالأنبياء والرسل ولا يحوي ما ينتقص منهم والإسلام يحوي الجواب عما أراده الخالق من الإنسان ومن أين أتي وإلى أين المصير، ويوافق العلم والعلم الحديث شهد له بالصحة فهيا أيها الإنسان بادر بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله وأقم الصلاة وأت الزكاة وصم رمضان وحج البيت الحرام إن استطعت واتبع تعاليم الإسلام تفوز بالجنان ومحبة الرحمن وتنعم بعدل الإسلام وراحة البال.
------------------------------------
[1] - الأحزاب الآية 45
[2] - المائدة 67
[3] - الأحزاب الآية 40
[4] - ال عمران الآية 85
[5] - ال عمران الآية 19
[6] - التوبة الآية 33
[7] - الأنبياء 107
[8] - سبأ الآية 28
[9] - يونس الآية 38
[10] - الحجر الآية 9
[11] - رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
[12] - الطبقات لابن سعد
[13] - رواه البخاري في صحيحه رقم 2801 ومسلم في صحيحه رقم 677
[14] - رواه البخاري في صحيحه رقم  4986
[15] - رواه أحمد في مسنده رقم 22260
[16] - الذاريات الآية 56
[17] - النحل الآية 36
[18] - البقرة الآية 163
[19]- يوسف الآية 39
[20] - رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
[21] - النحل الآية 60
[22] - الأعراف الآية 180
[23] - البقرة الآية 23
[24] - التفسير الميسر
[25] - السنة : ما أضيف للنبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات
[26] - النجم الآية 3 - 4
[27] - التفسير الميسر
[28] - النساء الآية 82
[29] - الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 45
[30] - ال عمران الآية 144
[31] - الكهف الآية 110
[32] - المائدة الآية 67
[33] - الجمعة الآية 2
[34] - ال عمران من الآية 164
[35] - النحل الآية 60
[36] - ق الآية 39
[37] - التفسير الميسر
[38] - البقرة الآية 255
[39] - التفسير الميسر
[40] - البقرة الآية 136
[41] - البقرة الآية 285
[42] - الأنعام الآية 83 - 90
[43] - التفسير الميسر
[44] - العنكبوت 49
[45] - البقرة الآية 149
[46] - النحل الآية 90
[47] - المائدة من الآية 2
[48] - العصر الآية 3
[49] - ال عمران 134
[50] - صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5654
[51] - الأعراف الآية 199
[52] - رواه مسلم في صحيحه 3735
[53] - المائدة الآية 141
[54] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 4941
[55] - الأعراف الآية 31
[56] - الإسراء الآية 26
[57] - ال عمران الآية 159
[58] - ال عمران الآية 104
[59] - النساء الآية 11
[60] - النساء الآية 1
[61] - التفسير الميسر
[62] - الذاريات الآية 56
[63] - التفسير الميسر
[64] - سورة الزلزلة
[65] - المؤمنون الآية 12
[66] - النبأ الآية 7
[67] - الإسراء الآية 12
[68] - مسند أبى عوانة رقم  843 وحديث رقم: 5500 في صحيح الجامع
[69] - رواه البخاري في صحيحه