السبت، 10 ديسمبر 2016

موقع المختار الإسلامي - إبطال إشكال الملاحدة حول قوله - تعالى -: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)

إبطال إشكال الملاحدة حول قوله تعالى :  ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل صحيح وادعاءات بلا مستند راجح ، ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى ومغالطة تلو المغالطة و دعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .
وفي هذا المقال إن شاء الله وقدر سنبين إبطال إشكال دائما ما يثيره الملاحدة حول قوله تعالى : ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [ هود : 6 ] وقوله تعالى : ﴿ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [ العنكبوت : 60 ] فيتسائل الملاحدة هداهم الله قائلين : إذا كان الخالق تكفل برزق كل من على الأرض فكيف يوجد من البشر من يموت جوعا ،ومن يموت عطشا ؟ وكيف يكون الخالق تكفل برزق كل من على الأرض ويوجد من البشر من لا يجد ما يأكله ؟ وكيف يكون الخالق تكفل برزق كل من على الأرض ،وتحدث المجاعات ؟ و هل غفل الخالق عن رزق الأطفال التي تموت جوعا والكبار الذين يموتون عطشا ؟

وقبل بيان خطأ إشكالات الملاحدة حول قوله تعالى : ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ يستحسن بنا أن نعرف معنى الآية الكريمة على وجه الاختصار ثم نذكر تفسير بعض علماء الإسلام لها ومعنى الآية الكريمة أن ما من حيوان في أي جزءٍ من أَجزاءِ الأرض، ذكرا كان أو أُنثى يمشى على رجلين أَو يمشى على أَربع، أو يمشى على غير هذه الصور، إلا تكفل الله برزقه اللائق به، وأوجبه على نفسه تفضلا وإحسانا.وكما تكفل برزقه أينما كان يعلم مستقره وموطنه الذي ولد ونشأ فيه، ومستودعه الذي يرحل إليه لطلب الرزق وغيره، كما يعلم مساكنه في أدوار حياته ويعلم ما يودع فيه بعد مماته، كل ذلك في كتاب بين واضح .

و في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾
قال مجاهد رحمه الله : ما جاءها من رزقٍ فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعًا، ولكن ما كان من رزقٍ فمن الله .
و قال الطبري رحمه الله : إلا ومن الله رزقها الذي يصل إليها، هو به متكفل، وذلك قوتها وغذاؤها وما به عَيْشُها .
و قال السمعاني رحمه الله : هَذَا على الْمَشِيئَة، لِأَنَّهُ قد يرْزق وَقد لَا يرْزق .
وقال البغوي رحمه الله : هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِذَلِكَ فَضْلًا وَهُوَ إِلَى مَشِيئَتِهِ إِنْ شَاءَ رَزَقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْزُقْ. وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى مِنْ، أَيْ: من الله رزقها .
وقال ابن الجوزي رحمه الله : قوله: ﴿ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ﴾ قال العلماء: فضلاً منه لا وجوبا عليه. و «على» ها هنا بمعنى «مِنْ» . و قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله : وعلى اللَّهِ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ تُفَضُّلٌ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ أَبْرَزَهُ فِي حَيِّزِ الْوُجُوبِ .

وبعد معرفتنا بمعنى الآية و تفسير بعض العلماء لها يتضح أنه لا إشكال صحيح يذكر في الآية فتكفل الله برزق المخلوقات معناه أن ما يأتي للمخلوقات من رزق كالطعام أو الشراب فهو من الله و أن الرزق بيد الله وحده لا يستطيع أحد أن يمنع رزقا قدره الله لمخلوق و لا أحد يستطيع أن يوصل رزقا لمخلوق والله لم يقدر له هذا الرزق وأن ما من مخلوق رزق إلا رزق بتقدير من الله وحده سبحانه وتعالى . وهذا المعنى لا ينافي أن يضيق الله رزق بعض خلقه و أن الرزق يكون بقدر .

وكل مخلوق له رزق من الله مقدر له ومعلوم قسمه الله له قال تعالى : ﴿ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ﴾ [ الزخرف: 32 ] أي: قسمنا الرزق في المعيشة، وليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك غير الله سبحانه وتعالى ،ولن يموت مخلوق حتى يستوفي رزقه الذي كتبه الله له ، ولن يموت مخلوق ويبقى شيء من رزقه لم يأخذه قال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ" ،و كون إنسان يموت جوعا أو عطشا فلأن مقدار الطعام أو الشراب الذي قدره الله له أن يحصل عليه قد استوفاه ،و لا يمكن أن يحصل على شيء أزيد مما كتبه الله له ،وليس معنى ذلك أن الله لم يرزقه أو غفل عن رزقه بل يعني أن هذا الإنسان قد استوفى رزقه المقدر من الله ،ولن يحصل على أزيد من هذا الرزق المقدر ،والرزق الذي ضمنه الله له هو الرزق الذي قدره له ولن يحصل على أزيد من هذا الرزق المقدر .

و الرزق من صفات الله الاختيارية التي تتعلق بمشيئته وإرادته ،و من شاء وسع عليه في الرزق و من شاء ضيق عليه في الرزق قال تعالى : ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾ [ الرعد : 26 ] ، و من هنا نقول أن الله الذى أخبر عن نفسه أنه متكفل برزق المخلوقات هو الذى أخبر عن نفسه أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ،ولم يخبر سبحانه أن كل أرزاقه واسعة حتى يتوهم متوهم بخطأ إخباره عن نفسه أنه متكفل برزق المخلوقات لكون بعض المخلوقات تموت جوعا .

و الله عز وجل هو صاحب العطاء والفضل لجميع المخلوقات و مالك جميع المخلوقات والمالك يتصرف في ملكه بما يشاء وعليه فله أن يبسط الرزق والعطاء والفضل لخلقه وله أن يضيقه عليهم وله أن يبسط للبعض ويضيق على البعض قال تعالى : ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ الشورى : 12 ].

والملاحدة هداهم الله توهموا أن تضييق الرزق على بعض الخلق يلزم منه أن الله لم يتكفل برزق هؤلاء الخلق مع أن هذا ليس بلازم ،و لو أن رجلا ثريا أعطى رجلا مالا كثيرا وآخر مالا قليلا فهل يقال أن هذا الرجل الثري لم يعط مالا لمن أعطاه مالا قليلا ؟!!،ولو أن أستاذا علم طالبا علما كثيرا و علم طالبا آخر علما قليلا فهل يقال أن هذا الأستاذ لم يعلم الطالب الثاني الذي علمه علما قليلا ؟!!وكذلك هاهنا لو أن الله ضيق الرزق على بعض خلقه لا يقال أنه لم يرزق هؤلاء الخلق .
والله فاوت بين عباده في الرزق لحكم كثيرة ،ولا يلزم من رزقه لهم أن يسوي بينهم في الرزق ،ولو أن رجلاً ثريا أعطى رجلا مالا كثيرا وآخر مالا قليلا و آخر مالا ليس بالقليل وليس بالكثير هل يقال له يجب عليك أيها الغني إن أردت العطاء والفضل أن تساوي بين هؤلاء الرجال في العطاء ؟ و لو أن أستاذا تفضل وتكرم بتعليم ثلاثة طلاب فعلم طالبا علما كثيرا و علم طالبا آخر علما قليلا وعلما آخر علما ليس بالقليل وليس بالكثير هل يقال له يجب عليك أيها الأستاذ إن أردت التكرم بتعليم هؤلاء الطلبة يجب عليك أن تساوي بينهم في التعليم ؟
و ليس معنى أن الله متكفل بالرزق ألا يُجِدَّ المرء ويجتهد في طلبه ليغني نفسه عن الناس وعن السؤال فالرزق يُنال بالسعي والعمل، والمشي في مناكب الأرض، وابتغاء فضل الله فيها قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [ الملك : 15 ].

وليس معنى توسعة الله الرزق لبعض خلقه أنه راض عنهم و ليس معنى تضييق الله الرزق على بعض خلقه أنه ساخط منهم فعطاؤه ليس دليلا على الرضا، وتضييقه ليس دليلا على السخط ، والله يوسع الرزق على من يشاء من خلقه وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته و يضيق الرزق على من يشاء من خلقه وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته وقد يكون توسيع الرزق فضلا ورحمة وقد يكون امتحانا واختبارا و قد يكون استدراجا وإمهالا وقد يكون عذابا وعقابا ،وقد يكون تضييق الرزق رحمة و حماية من الزلل و قد يكون امتحانا واختبارا و قد يكون حرمانا وعقابا .

والملاحدة هداهم الله يتوهمون أن الرزق هو المأكل والمشرب والملبس والمسكن فقط مع أن معنى الرزق أوسع من مجرد المأكل والمشرب والملبس والمسكن فالرزق كل ما ينتفع به الإنسان وهو نوعان : رزق يقوم به البدن ، ورزق يقوم به الدين , والرزق الذي يقوم به البدن : هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك , والرزق الذي يقوم به الدين : هو العلم ، والإيمان .
و ختاما إن حدوث المجاعات ونقص الماء والثمار والزرع لبعض الخلق له حكم كثيرة منها : الابتلاء والاختبار و منها العقاب والانتقام ومنها رفع المنزلة و إعظام الثواب ومنها رؤية عبادة الصبر من المبتلين بهذه البلايا وعبادة الشكر من المعافين من هذه البلايا وغير ذلك من الحكم .

هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق