الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

هل قوله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ يستلزم نفي جهاد الطلب و يستلزم عدم جهاد الكفار ؟‏

هل قوله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ يستلزم نفي جهاد الطلب و يستلزم عدم جهاد الكفار ؟ 




زعم البعض أن قول الله – سبحانه و تعالى - : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ ينفي جهاد الطلب ، وبعض المغرضين زعم أن قول الله – سبحانه و تعالى - : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ يتعارض مع تشريع الجهاد ، وهذه فرية يغني فسادها عن إفسادها فقول الله – سبحانه و تعالى - : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ ليس معناه عدم جهاد الكافرين و عدم قتال الكافرين و سبب نزول الآية يجلي ذلك و يوضحه .


و قد قال ابن عباس – رضي الله عنه - « كانت المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا فأنزل الله - عز وجل - : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ﴾ » فالآية نزلت في النهي عن الإكراه على الدخول في الإسلام ، و لا علاقة لها بجهاد الكفار أو عدم جهادهم .


و الذي نزل عليه قوله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ هو الذي نزل عليه : ﴿ وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلاَ عُدوَانَ إِلاَّ عَلَىٰ الظَّالِمِينَ ﴾ ( سورة البقرة الآية 193 ) و هو الذي نزل عليه قوله تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ ( سورة الأنفال الآية 39 ) و هو الذي نزل عليه قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ ( سورة براءة الآية رقم 9 )


و الذي نزل عليه قوله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ هو الذي قال : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ » .


و الذي نزل عليه قوله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ قد جاهد الكفار بنفسه و جاهد الصحابة معه و بعدما مات جاهد الصحابة و فتحوا البلاد .


و قال السعدي – رحمه الله – : « و لا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين ، و إنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصده إتباع الحق، وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له، وإنما يؤخذ فرض القتال من نصوص أخر » .


و قتال الكفار ليس الغرض منه إجبارهم على الإسلام لكن قتال الكفار وسيلة لتبليغ الإسلام عند وجود من يحول بين الناس و دعوة الإسلام إذ لا يمكن نشر الإسلام في كافّة أنحاء العالم ، مع وجود الطّغاة و القتلة الذين يسعون للسيطرة على العالم لأجل أطماعهم الفاسدة ، و لذلك نجد النصوص الشرعية تذكر لفظ الجهاد أو القتال ، و الجهاد و القتال إنما يكون بين جيشين جيش الإسلام وجيش الكفار ، ولا يكون جيش بلا أمير ، والأمير يكون إما رئيس الدولة الكافرة أو مكلف من قبله .


و قال الشعراوي – رحمه الله - : « فالقتال لم يشرع لفرض منهج، إنما شُرع ليفرض حرية اختيار المنهج، بدليل قول الحق : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ﴾ ، و على ذلك فالإسلام لا يفرض الدين، ولكنه جاء ليفرض حرية الاختيار في الدين، فالقُوَى التي تعوق اختيار الفرد لدينه، يقف الإسلام أمامها لترفع تسلطها عن الذين تبسط سلطانها عليهم ثم يترك الناس أحراراً يعتنقون ما يشاءون، بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام بالسيف، ظل فيها بعض القوم على دياناتهم. فلو أن القتال شُرع لفرض دين لما وجدنا في بلد مفتوح بالسيف واحداً على غير دين الإسلام » .


و من حق جميع الناس أن يبلغ إليهم الإسلام , وألا تقف عقبة أو سلطة في وجه التبليغ بأي حال من الأحوال .


و لذلك من حكم جهاد الكفار إزالة الحواجز التي تعيق وصول الدعوة إلى الناس لإنقاذهم من النار ، و الجهاد و القتال لا يكون إلا بعد دعوة و إنذار فكون المسلمون يقاتلون أي أن دولة الكفر رفضت الدعوة و أبت وصول الحق للناس فكان لابد من القتال لردع الظلم و نشر الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أي حق أعظم من حق الله على العباد أن يعبدوه و أي منكر أعظم من الكفر و الشرك و أي جرم أعظم من منع نشر دين الله في الأرض أي أن قتال الكفار من باب استخدام القوة عند تعذر الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة فجهاد المسلمين يعتبر قوة تدافع عن الدين الحق بالحق لله الحق قوة تعرض الإسلام و إن كلفها ذلك الوقت و الحياة و المال.



و قال الشيخ محماس الجلعود : « الحقيقة أن الإسلام يقوم على قاعدة ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ﴾ ولذلك انطلق بالسيف مجاهدًا ليوفر للناس الضمان الحقيقي لحرية الاعتقاد، وليحطم الأنظمة التي تكره الناس على الباطل وتمنع وصول الحق إليهم، ليبقى الناس أحرارًا في اختيار العقيدة التي يريدونها.


إن شاءوا دخلوا في الإسلام فكان لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، وكانوا إخوانًا في الدين للمنتمين إلى الإسلام، وإن شاءوا بقوا على عقائدهم وأدوا الجزية، إعلانًا عن استسلامهم في انطلاق الدعوة الإسلامية بينهم بلا مقاومة، ومشاركة منهم في نفقات الدولة المسلمة التي تحميهم من اعتداء المعتدين عليهم، وتكفل لهم الحقوق العامة في ظل منهج الإسلام


إن الإسلام لم يكره فردًا على تغيير عقيدته، كما فعلت الصليبية على مدار التاريخ في الأندلس قديمًا وزنجبار حديثًا، لتكرههم على التنصر وأحيانًا لا تقبل منهم حتى التنصر فتبيدهم لأنهم مسلمون » .


و من حكم جهاد الكفار حماية من دخل في الإسلام من أن يؤذي من قبل الذين كفروا الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر : ﴿ وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلاَ عُدوَانَ إِلاَّ عَلَىٰ الظَّالِمِينَ ﴾ و لو جاهد المسلمون لشاع الأمان في البلاد وبين العباد ؛ لأن رهبة العدو من المسلمين لا تجعله يتجرأ على خوض معارك لا يقدر عليها ؛ ولن يعيش العالم في أمان إلا إذا ساده الإسلام.

و قال الشعراوي – رحمه الله - : « السيف ما جاء إلا ليحمي اختيار المختار، فلي أنْ أعرض ديني ، وأنْ أُعلنه و أشرحه، فإنْ منعوني من هذه فلهم السيف، وإنْ تركوني أعلن عن ديني فهم أحرار، يؤمنون أو لا يؤمنون .


إنْ آمنوا فأهلاً وسهلاً، وإنْ لم يؤمنوا فهم أهل ذمة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ويدفعون الجزية نظير ما يتمعون به في بلادنا، وعليهم ما علينا، وما نُقدِّمه لهم من خدمات، وإلا فكيف نفرض على المؤمنين الزكاة ونترك هؤلاء لا يقدمون شيئاً؟


لذلك نرى الكثيرين من أعداء الإسلام يعترضون على مسألة دَفْع الجزية، ويروْنَ أن الإسلام فُرِض بقوة السيف، وهذا قول يناقض بعضه بعضاً، فما فرضنا عليكم الجزية إلا لأننا تركناكم تعيشون معنا على دينكم، ولو أرغمناكم على الإسلام ما كان عليكم الجزية » .

و من حكم جهاد الكفار أن يظهر دين الإسلام فوق كل الشرائع و الأديان الأخرى و يكون للإسلام السيادة فيحكم الأرض و يسود العدل قال الله – سبحانه و تعالى - : ﴿ وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ ، و قال الله – سبحانه و تعالى - : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ ( سورة الصف الآية رقم 9 )


و من حكم جهاد الكفار تقوية شوكة الدولة الإسلامية فلا يلين لها جانب, ولا يستطيع أحد أن ينال من عزتها وكرامتها و يحمى من فيها إذ كره الكفار للإسلام و أهله تجعلهم لا يهدأ لهم بال ولا يَقِرّ لهم قرار , إلا بإذاء الإسلام وأهله و النيل من مقدساته ، و القوة حقٌ مشروعٌ لردع الظالمين العابثين و لرهب من يريد إذاء الإسلام و أهله و لحماية من تحت سلطة الإسلام و لحماية أهل الإسلام قال الله – سبحانه و تعالى – : ﴿ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ﴾ ( سورة البقرة من الآية 217 ).


و أعداء الإسلام منذ توقف الفتوحات الإسلامية وهم يحاربون الإسلام والمسلمين ابتداء من الحروب الصليبية ثم الاستعمار والاحتلال ، و الجرائم البشعة مثل مذبحة دير ياسين و مذبحة صبرا و شاتيلا و مذبحة بحر البقر .



و قال الشيخ المراغي : « و ما غلب المسلمون في العصور الأخيرة و ذهب أكثر ملكهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدى دينهم وتركوا الاستعداد المادي والحربي الذي طلبه الله بقوله : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ و اتكلوا على خوارق العادات وقراءة الأحاديث والدعوات، وذلك ما لم يشرعه الله ولم يعمل به رسوله- إلى أنهم تركوا العدل والفضائل وسنن الله في الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح، وأنفقوا أموال الأمة والدولة فيما حرم الله عليهم من الإسراف فى شهواتهم .


و على العكس من ذلك اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام فاستعدوا للحرب واتبعوا سنن الله في العمران فرجحت كفّتهم ، و لله الأمر .


و ما مكّن الله لسلف المسلمين من فتح بلاد كسرى وقيصر وغيرهما من البلاد إلا لما أصاب أهلها من الشرك وفساد العقائد في الآداب و مساوي الأخلاق و العادات و الانغماس في الشهوات و إتباع سلطان البدع والخرافات- فجاء الإسلام وأزال كل هذا و استبدل التوحيد والفضائل بها، ومن ثم نصر الله أهله على الأمم كلها.


ولما أضاع جمهرة المسلمين هذه الفضائل واتبعوا سنن من قبلهم في إتباع البدع والرذائل وقد حذرهم الإسلام من ذلك، ثم قصروا فى الاستعداد المادي والحربي للنصر في الحرب عاد الغلب عليهم لغيرهم ومكنّ لسواهم في الأرض: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ أي الصالحون لاستعمارها والانتفاع بما أودع فيها من كنوز وخيرات » .


و الخلاصة أن عدم الإكراه على الدخول في الإسلام لا يستلزم عدم القتال و الجهاد ؛ لأن حرية اختيار الدين لا تعني عدم الحاجة لإبلاغ الدين ، و حرية اختيار الدين لا تعني عدم نشر الدين ، و حرية اختيار الدين لا تعني عدم حماية الدين و أهله من أعدائه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق