الجمعة، 30 ديسمبر 2016

موقع المختار الإسلامي - فرية وجود من عارض القرآن لكن لم تشتهر معارضته

موقع المختار الإسلامي - فرية وجود من عارض القرآن لكن لم تشتهر معارضته

هناك من أعداء الإسلام من يقول بأن القرآن قد عورض لكن لم تشتهر معارضته ، وهذه فرية يغني فسادها عن إفسادها قال الآمدي – رحمه الله - : « فَإِذا ثَبت تحديه بِهِ الْعَرَب وأرباب الْفضل مِنْهُم وَالْأَدب فَلَو وَقعت الْمُعَارضَة مِنْهُم لاشتهر ذَلِك و لتوفرت الدواعي على نَقله كَمَا توفرت على نقل غَيره إِمَّا على لِسَان الْمُوَافق أَو الْمُخَالف إِذْ السُّكُوت عَن مثل هَذَا والتواطؤ على تَركه مِمَّا تقضى الْعَادة الْجَارِيَة بإحالته .


وَالْمُدَّعى لذَلِك لَيْسَ هُوَ فى ضرب الْمِثَال إِلَّا كمن يدعى ظُهُور نبي آخر بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَام - أَو وجود إِمَام قبل الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَو أَن الْبَحْر نشف في بعض الْأَوْقَات أَو الدجلة أو الْفُرَات وَلَا يخفى مَا في ذَلِك من الْإِبْطَال .


وَلَا يُمكن أَن يكون خوف السَّيْف مَانع من نقل ذَلِك وإظهاره في الْعَادة كَمَا لم يمْنَع دَعْوَى الْمُعَارضَة في كل زمَان وَإِن كَانَ ذَلِك لما في الْقُرْآن بل الْوَاجِب بِالنّظرِ إِلَى الْعَادَات وَمُقْتَضى الطباع النَّقْل لمثل مَا هُوَ من هَذَا الْقَبِيل ، وَلَو على سَبِيل الْإِسْرَار كَمَا قد جرت بِهِ عَادَة النَّاس فِي التحدث بمساوئ مُلُوكهمْ وَإِظْهَار معايبهم ، وَ إِن كَانَ خوف السَّيْف قَائِما في حَقهم لَاسِيمَا وبلاد الْكفَّار متسعة وَ كلمَة الْكفْر في غير مَوضِع شائعة فَلَو كَانَ ذَلِك مِمَّا لَهُ وُقُوع قد أشيع كَمَا أشيع غَيره مِمَّا لَيْسَ بموافق للدّين وَلَا يتقبله أحد من الْمُسلمين .


وَلَا جَائِز أَن يُقَال إِن ترك الْمُعَارضَة مَحْمُول على الإهمال أَو على الْغَفْلَة عَن كَون الْمُعَارضَة مُوجبَة للإفحام أَو على اعْتِقَاد أن السَّيْف أبلغ في دحره وردعه ، وَإِبْطَال دعوته فَإِن النبي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم – قد كَانَ يقرعهم بالعى ، و يردد عَلَيْهِم تعجيزهم في الْأَحْيَاء ، وَ يَقُول : ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ مَعَ أَن الْعَرَب قد كَانَت في محافلها تتفاخر بمعارضة الركيك من الشّعْر وتتناظر في مجالسها بِمُقَابلَة السخيف من النثر .


وَلَا محَالة أَن الْقُرْآن في نظر من لَهُ أدنى ذوق من الْعَرَبيَّة وَأَقل نِصَاب من الْأُمُور الأدبية لَا يتقاصر عَن فصيح أَقْوَال الْعَرَب وبديع فصولهم في النّظم والنثر بل والخطب .


فَكيف يخْطر بعقل عَاقل أَو يتَوَهَّم واهم أَن الْعَرَب مَعَ مَا أَتَوْهُ من الْعقل الغزير وَمن حسن التَّصَرُّف وَالتَّدْبِير تتاركوا مُعَارضَة الْقُرْآن إخساسا بِهِ وإهمالا أَو لغفلتهم أَن ذَلِك مِمَّا يدْفع الضَّرَر عَنْهُم أو لِأَن السَّيْف أنجع وأوقع لَهُم مَعَ مَا كَانَ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ من شدَّة الْبَأْس وَعظم المراس وَالْقُوَّة الباهرة و العزمة الْحَاضِرَة والنصرة الحاصرة وهم يُمكنهُم دفع ذَلِك كُله بفصل أَو سُورَة يَقُولهَا وَاحِد مِنْهُم إِن هَذَا لَهو الخسران الْمُبين .



وَلَا ننكر أَن هَذِه المثلات وَوُقُوع هَذِه الِاحْتِمَالَات بِالنّظرِ إِلَى الْعقل وَإِلَى ذواتها ممكنات لَكِنَّهَا كَمَا أوضحناه بِالنّظرِ إِلَى الْعَادة من المستحيلات » .


و قال أبو بكر الباقلاني – رحمه الله - : « فَإِن قَالُوا مَا أنكرتم أَن تكون الْعَرَب قد عارضته وَأَن يكون خوف سيفكم يمْنَع من إِظْهَار معارضته قيل لَهُم لَو كَانَ الْأَمر على مَا ادعيتموه لجَاز نَقله وَذكره وَذكر الْمعَارض وَالْمُتوَلِّيّ لَهُ .


ولوجب بمستقر الْعَادة أَن يغلب إِظْهَاره على طيه وكتمانه حَتَّى يكون الْعلم بِهِ كَالْعلمِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ عروضه وَإِن منع الْخَوْف من النَّص عَلَيْهِ والتبيين من كل وَاحِد لذكره ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا بُد من تحدثهم بَينهم إِذا خلوا وجالسوا من يأمنون سَيْفه على وَجه يجب أَن يضْطَر إِلَيْهِ كَمَا يجب أَن تعلم الْأَسْبَاب الحاملة على الكتمان وَالْكذب الواقعين من السُّلْطَان لغَرَض فِي الْحمل على ذَلِك مَعَ الْخَوْف مِنْهُ .


و كما يجب فِي مُسْتَقر الْعَادة تحدث النَّاس بعيوب سلطانهم وجبابرتهم ومذموم الْخِصَال الَّتِي فيهم وَإِن لم ينْقل ذَلِك نقلا ظَاهرا وَيَقَع تَفْصِيله وَالنَّص عَلَيْهِ وَالْبَيَان لَهُ من كل رجل بِعَيْنِه وَإِذا كُنَّا لَا نعلم وجود الْمُعَارضَة لِلْقُرْآنِ كعلمنا لظُهُوره من جِهَة النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَجب سُقُوط مَا قَالُوا » .


و قال أبو بكر الباقلاني – رحمه الله - : « فَإِن قَالَ قَائِل مَا أنكرتم أَن يكون الْقَوْم إِنَّمَا تركُوا مُعَارضَة الْقُرْآن لإعراضهم عَن النّظر فِي أَن مُقَابلَته بِمثلِهِ مُوجب لتكذيب من أَتَى بِهِ قيل لَهُم فَهَذَا مِمَّا لَا نظهر فِيهِ وَلَا تَأمل ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَة على أحد كمل عقله فِي أَن من قَالَ لَهُ قَائِل إِنَّك لن تقوم وَلنْ تقدر على الْقيام كَاذِب إِذا قَامَ وَقدر على الْقيام .



والأطفال المنتقصون يعلمُونَ هَذَا فضلا عَن قُرَيْش فِي وفارة عُقُولهمْ وجودة قرائحهم ونحائزهم وَصِحَّة آدابهم وَمَا وَصفهم الله تَعَالَى بِهِ من أَنهم قوم خصمون والتماسهم من الرَّسُول - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - آيَات غير الَّتِي أَتَى بهَا حَتَّى قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كذب بهَا الْأَولونَ ﴾ يَعْنِي الَّتِي سألوها .



وَ مَعَ قَوْلهم : ﴿ لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا أَو تكون لَك جنَّة من نخيل وعنب فتفجر الْأَنْهَار خلالها تفجيرا أَو تسْقط السَّمَاء كَمَا زعمت علينا كسفا أَو تَأتي بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قبيلا ﴾ و َقَوله : ﴿ أَو يكون لَك بَيت من زخرف أَو ترقى فِي السَّمَاء وَلنْ نؤمن لرقيك حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه ﴾ .


وَمَعَ مَا ذكره عَن الْيَهُود فِي قَوْله : ﴿ يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك فَقَالُوا أرنا الله جهرة ﴾ مَعَ مَا عَلَيْهِ أهل الْإِلْحَاد والتعطيل من الِاحْتِجَاج و العناد فَكيف جهل هَؤُلَاءِ أجمع وَلم يُنَبه بَعضهم بَعْضًا عَلَيْهِ لَوْلَا جهل السَّائِل عَن هَذَا .


و َيُقَال للسَّائِل عَن هَذَا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَا أنكرتم أَلا يكون إضراب السَّحَرَة و الأطباء عَن مُعَارضَة مُوسَى وَعِيسَى فِي آياتهما لعجزهم عَن ذَلِك وَ إِنَّمَا صدفوا عَنهُ لذهابهم فِي النّظر فِي أَن معارضتهما تُؤدِّي إِلَى تكذيبهما وَلَا جَوَاب عَن ذَلِك أبدا » .

رد يحيي بن حمزة – رحمه الله – على من يقول سلّمنا تواتره إلى كافة الخلق، لكنا لا نسلم توفر دواعيهم إلى المعارضة، وبيان ذلك بأوجه ثلاثة : أما أولا : فلعلهم اعتقدوا أن المعارضة لا تبلغ في قطع المادة وحسم الشّغب وإبطال أمره، مبلغ الحرب، فلا جرم عدلوا إلى الحرب .


وأما ثانيا: فلأنا لا نمنع أن يكونوا عدلوا إلى الحرب لأنهم لو عارضوا لكان الخلاف غير منقطع بوقوعها، لجواز أن يقول قوم: إنها معارضة، ويقول قوم آخرون: إنها ليست معارضة، ويتوقف فريق ثالث، لالتباس الأمر فيه، فيشتد الخلاف ويعظم الخطب، وفى أثناء ذلك الخلاف لا يمتنع اشتداد شوكته، فلأجل الخوف من ذلك، عدلوا إلى الحرب .


وأما ثالثا: فلأنه يحتمل أن يكون عدولهم عن المعارضة، لأن التحدي إنما وقع بمثله، ولم يعرفوا حقيقة المماثلة، هل تكون بالفصاحة، أو البلاغة، أو بالنظم، أو بهذه الأمور كلها، أو في الإخبار عن العلوم الغيبية، أو فى استخراج الأسرار الدقيقة، أو غير ذلك مما يكون القرآن مشتملا عليه، فلهذا عدلوا عن المعارضة، فصح بما ذكرناه أن دواعيهم إلى المعارضة غير متوفرة لأجل هذه الاحتمالات التي ذكرناها .


فقال يحيي بن حمزة - رحمه الله - : « وجوابه أنا قد أوضحنا توفر دواعيهم إلى معارضته بما لا مدفع له إلا بالمكابرة، ويؤيد ما ذكرناه ويوضحه، أن الأمر المطلوب إذا كان لتحصيله طرق كثيرة وكانت معلومة فى نفسها، ثم بعضها يكون أسهل وأقرب فى تحصيل المقصود، فإنا نعلم من حال العاقل اختيار الطريق الأسهل، وقد علمنا بالضرورة أن أسهل الطرق في دفع من يدعى مرتبة عظيمة على غيره، معارضتها بمثلها إن كانت المعارضة ممكنة، ونعلم أن هذا العلم الضروري حاصل لكل العقلاء، حتى نعلم أن طفلا من الأطفال لو ادعى على غيره من سائر الأطفال شيلان حجر، أو حفر جدول ، أو رمى غرض، فإنهم يتسارعون إلى معارضته بمثل دعواه، وهذه الجملة تفيد توفر دواعي العرب على إبطال أمر الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - بمعارضة دعواه بمثلها لو كانت ممكنة لهم، فإذا كان هذا حاصلا في حق الأطفال، فكيف من بلغ حالة عظيمة في الحنكة والتجربة ! .


قولهم : أولا لعلهم اعتقدوا أن المعارضة لا تحسم دعواه، قلنا هذا فاسد، لأنهم فى استعمال الحرب غير واثقين بحصول المطلوب، لأنهم غير واثقين بالظفر عليه، بخلاف المعارضة، فإنهم ليسوا على خطر منها، لأنهم واثقون ببطلان أمره عند وقوعها .


و قولهم ثانيا: لو عارضوا لكان الخلاف غير منقطع بوقوعها، قلنا هذا فاسد أيضا: فإنه ليس الغرض هو حصول المماثلة من كل الوجوه، لأنه لا يدرك مماثلة الكلامين من جميع الوجوه إلا بالقطع بالاشتراك فى كل الأحكام، وهذا مما يعلمه الله دون غيره، بل المقصود من التحدى، إنما هو الإتيان بما يظن كونه مثلا، أو قريبا من المثل، وأمارة ذلك وقوع الاختلاف بين الناس فى كونه مثلا، أو غير مثل.


وقولهم ثالثا: إنهم لم يعرفوا حقيقة المثل الذى طلبه فيه المعارضة هل هو الفصاحة، أو الأسلوب، أو الإخبار عن علوم الغيب؟
قلنا هذا فاسد لأمرين، أما أولا فلأنه لو اشتبه عليهم لاستفهموه عما يريد، لكن الأمر في ذلك معلوم لهم، فلهذا لم يعالجوه في شيء من ذلك، لتحققهم أنهم لو أتوا بما يماثله، لبطل أمره، فسكوتهم عنه دلالته على تحققهم من ذلك، وأما ثانيا فلأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أطلق التحدي ولم يخصه بشيء من دون شيء ، اتكالا منه على ما يعلم من ذلك بمجرى العادة و أطرادها في التحدي بين الشعراء والخطباء، فلأجل ذلك لم يكن محتاجا إلى تفسير المقصود » .

رد يحيي بن حمزة – رحمه الله – على من يقول سلمنا توفر دواعيهم إلى المعارضة كما قلتم ، لكن لا نسلم ارتفاع المانع عن المعارضة كما قلتم، فلم ينكرون على من يقول إنه منعهم عن المعارضة اشتغالهم عنها بالحروب العظيمة، فإن فيها شغلا عن كل شيء، أو يقول خوفهم من أصحاب الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - وأنصاره وأعوانه ؛ لأن قوة الدولة والشوكة تمنع من ذلك، ولهذا فإن ابن عباس - رضي الله عنه - لم يمكنه إظهار مذهبه في العول أيام عمر خوفا من سطوته، ولا شك أن الخوف مانع عما يريده الإنسان في أكثر أحواله .


فرد عليهم يحيي بن حمزة – رحمه الله – قائلا : « وجوابه من أوجه ثلاثة : أما أولا: فلأن المعارضة للقرآن إنما هى من قبيل الكلام، والحرب غير مانعة من وجود الكلام، ولهذا فإنهم كانوا والحرب قائمة يتمكنون من الأشعار والخطب فى المحافل، فكيف يقال إن الحرب مانعة من وجود المعارضة.

وأما ثانيا : فلأن الحرب لم تكن دائمة، وإنما كانت فى وقت دون وقت، فلم لا يشتغلون بالمعارضة في أوقات الفراغ عن الحرب .

وأما ثالثا : فلأنه عليه السلام ما كان يحارب كل العرب، ولا شك أن الفصحاء منهم كانوا قليلين، فكان الواجب على الشجعان الاشتغال بالحرب، وأن يقعد أهل الفصاحة للاشتغال بالمعارضة.

ومن وجه رابع : وهو أنه ما حاربهم قبل الهجرة فكان ينبغي لهم الاشتغال بالمعارضة، إذ لا حرب هناك قائمة بينهم وبينه .

ومن وجه خامس : وهو أنه كان يجب عليهم أن يقولوا إنك شغلتنا بالحرب عن معارضتك ، فاترك الحرب حتى نتمكن من معارضتك ، وهم لم يقولوا ذلك ولا خطر لأحد منهم على قلب ، وفى هذا دلالة على أنه لا مانع لهم من المعارضة بحال » .


و إن قيل لا يلزم من توفر الداعي وزوال الموانع وجود المعارضة، وعند هذا لا يكون تأخر العرب عن المعارضة دلالة على عجزهم عنها، لجواز كونهم قادرين عليها ، وجوابه: أن القادر متى توفرت دواعيه على الفعل، ولم يكن هناك مانع فإنه يجب وقوعه .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق